بقلم: ليث الربيعي
في بلدٍ يعيش على فوهة بئر، لا تكفي الحكمة وحدها لتجنّب الانفجار، بل نحتاج إلى عقل بارد ونَفَس طويل. والعراق، وهو يمضي نحو منتصف 2025، يبدو أنه يمرّ بلحظة حرجة تجمع بين الهبوط المفاجئ في أسعار النفط والتأخير المقلق في إقرار الموازنة، وبين هذا وذاك، تقف السياسة المالية في مواجهة اختبار لم تعهده منذ سنوات.
فالمعادلة التي وضعتها الحكومة كانت واضحة: موازنة تستند إلى سعر نفط تقديري قدره 70 دولارا للبرميل، بينما السوق الواقعية تقول شيئاً آخر.. السعر تراجع إلى 60 دولارا أو ما دون، وهو ما يعني أن العجز المالي لن يكون مجرد رقم ضمني في جداول افتراضية، بل قد يتحول إلى أزمة فعلية في إدارة التخصيصات وتمويل المشاريع.
مستشار الحكومة المالي مظهر محمد صالح طمأن بأن العراق يمتلك أدوات للتماسك، من بينها الاحتياطيات، والقدرة على الاقتراض الداخلي، وضبط الأولويات، لكن ما لم يقله بوضوح هو أن هذه الأدوات نفسها ليست حلولا طويلة الأمد، بل هي مجرد مسكنات لألم مزمن اسمه “الاعتماد على النفط”.
ومن المثير للانتباه أن التحدي لا يتعلق فقط بالأسعار، بل بالسياسة أيضا. العراق متهم بتجاوز حصته في “أوبك بلاس”، ما قد يُعرضه لضغوط إضافية قد تؤثر لاحقا على تصدير النفط أو حتى فرض قيود مالية من أطراف دولية تتذرع بحجج بيئية أو تنظيمية.
الحلول ليست سحرية. بل تكمن في “ما كان يجب فعله ولم يُفعل”. فتعزيز الإيرادات غير النفطية – من منافذ حدودية، وجباية خدمات، وتنشيط القطاع الخاص – ما تزال مجرد شعارات على ورق، ولم تتحول إلى واقع. وهنا تحديدا يبرز سؤال الوعي السياسي: هل يدرك البرلمان والحكومة أن ما نمر به الآن ليس أزمة عابرة بل إنذار مبكر؟ متى نكفّ عن بناء موازنات على احتمالات النفط، ونبدأ في بناء اقتصاد على أساس الإنتاج؟ متى نفكر بأن تصدير البترو-دولار لا يكفي لتوفير دولة، ولا يمهّد لطريق تنموي مستدام، بل يُبقي الدولة مرهونة لتقلبات لا تملك السيطرة عليها؟
في هذا المشهد المعقّد، يُطلب من الجميع التصرّف بحكمة:
• من الحكومة أن تُسرع في إرسال جداول الموازنة وتقديم تعديلات واقعية تعكس تراجع السوق.
• من البرلمان أن يخرج من سباته ويتوقف عن ربط الموازنة بصراعات الكتل ومناورات المغانم.
• ومن الشعب، أن يدفع بثقته نحو من يملك حلولا عملية وليس وعودا انتخابية مكرّرة.
الخلاصة؟
النفط لن يكون المنقذ دائما، والموازنة ليست مجرّد أرقام بل انعكاس لرؤية دولة. والوقت، كما السعر، ينخفض بسرعة.