تحليل – عصام البويحيى
في خضم المشهد العراقي المتشابك، تبرز قضية قانون تقاعد الحـ،،،ـد الشعبي كأحد أهم مؤشرات الصراع داخل مؤسسات الدولة، لا من حيث نصوصه، بل من حيث ما يكشفه من موازين خفية، وتحولات مقبلة في خريطة النفوذ الأمني والسياسي.
سحب الحكومة المفاجئ لمشروع القانون من أروقة البرلمان لم يكن مجرد إجراء إداري مؤقت، بل بدا وكأنه محاولة لكسب الوقت، بانتظار بلورة تسوية تُرضي أطرافا محلية وتُراعي في الوقت ذاته التعقيدات الإقليمية والدولية التي تحيط بالحـ،،،ـد.
فرغم أن مواد القانون تبدو سطحيا كأنها تمس الجوانب الإدارية والمالية، إلا أن جوهرها يتعلق بمصير قيادة مؤسسة تقف عند نقطة تقاطع بين الداخل العراقي ومجمل التوازنات التي ترتسم حوله. وفي قلب هذا الجدل، يقف ملف رئيس الهيئة فالح الفياض، الذي باتت مسألة استمراره تشكل مادة خلافية تتجاوز عمره القانوني، وتمس مفهوم الشرعية المؤسساتية.
- إعادة الهيكلة.. خيار الدولة لا الأفراد
الواقع يفرض علينا الاعتراف بأن التغيير ليس مجرد رغبة أو ضغط، بل ضرورة تمليها سياقات الدولة العراقية، التي باتت بحاجة إلى ضخ دماء جديدة في مؤسساتها، لا سيما تلك الأمنية التي تتعامل مع تحديات يومية تمس كيان البلاد وأمنه.
وعليه، فإن دعم التغيير في رئاسة الحـ،،،ـد ليس موقفا شخصيا ضد الفياض، بل هو موقف من أجل تطوير الأداء وتعزيز كفاءة المؤسسة بما ينسجم مع منطق الدولة ومفهوم السيادة.
إضافة إلى ذلك، فإن الساحة لا تخلو من شخصيات أكثر قدرة وفاعلية على إدارة هذا النوع من المؤسسات، ممن يمتلكون جذورا ضاربة في العمل العسكري والأمني، وتجربة طويلة تبدأ منذ نعومة أظفارهم في التشكيلات القتالية والتنظيمية، وتُتوَّج بتاريخ مشهود في مؤسسات الدولة. في هذا السياق، تبرز أسماء معروفة بقدرتها على الجمع بين الانضباط العسكري، والرؤية الإدارية الحديثة، في إشارة لا تخفى على المتابعين العارفين بتاريخ من صنعوا الفرق في وزارات ومؤسسات أمنية سابقة.
- الضغوط الخارجية والمناورة الداخلية
في خلفية هذا المشهد، لا يمكن إغفال الأصوات الدولية التي تنظر بعين الريبة لمؤسسة الحـ،،،ـد الشعبي، وتسعى بكل الطرق إلى إعادة تشكيلها أو تفكيكها تدريجيا. وإذا كانت الإدارة الأميركية قد اختارت هذه المرة إيصال رسائلها عبر العواصم الإقليمية بدلا من بغداد، فذلك يعكس قناعة متزايدة بأن القرار العراقي ما زال محكوما بشبكة معقدة من التأثيرات والولاءات.
لكن ما يغيب عن نظر الكثيرين، هو أن التعامل مع هذه الضغوط لا يكون عبر تعطيل القوانين أو تأجيل الإصلاح، بل عبر تعميق الطابع المؤسساتي للحـ،،،ـد، وربطه بسياسات الدولة المركزية، لا بالأفراد مهما علا شأنهم.
- نحو تسوية شاملة
المؤشرات الحالية توحي بأن القانون لن يمر بسهولة، بل سيبقى رهينة مشاورات طويلة، وتفاهمات داخل الإطار التنسيقي، الذي يعيش بدوره حالة انقسام بين من يدعو إلى التحديث والتقاعد، ومن يصرّ على التمديد والمراوحة.
وحتى تتضح معالم التسوية، سيبقى الحـ،،،ـد على مفترق طرق، تتجاذبه الرغبة في التطوير، والضغوط من الخارج، وصراعات الداخل، لكنه في النهاية مطالب بالانحياز للدولة، لا للوجوه.
#قانون_التقاعد
#العراق
#الإصلاح_المؤسساتي
#تغيير_القيادة
#السيادة_العراقية