بعدَ طولِ جدلٍ ومماطلةٍ، عبرَ مشروعُ قانونِ هيئةِ الحشدِ الشعبيِّ أولى عتباتِ التشريع، مُنهيا مرحلةَ القراءةِ الأولى في مجلسِ النواب، لكنه لم يُنهِ بالضرورةِ عقدةَ التوافقِ السياسيِّ حوله، فالقانونُ الذي يعودُ إلى عامِ 2014 ظلَّ ساحةَ تجاذبٍ سياسيٍّ، بينَ من يراهُ ضرورةً لتقنينِ أوضاعِ هذهِ المؤسسةِ التي قدَّمت تضحياتٍ كبرى، وبينَ من يَعتبرُه جزءا من إعادةِ رسمِ التوازناتِ داخلَ المشهدِ الأمنيِّ والعسكريِّ في البلاد.
مجلسُ النواب، الذي أنهى القراءةَ الأولى للقانون، فتحَ بذلكَ بابَ النقاشِ واسعا حولَ موادهِ الأكثرِ حساسيةً، وأبرزُها تحديدُ سنِّ الإحالةِ إلى التقاعدِ لقادةِ الحشد، وهي النقطةُ التي تُمثِّلُ جوهرَ الخلافِ بينَ الكتلِ السياسية، إذ تَعتبرُ بعضُ الأطرافِ أنَّ فرضَ سنٍّ محددةٍ قد يكونُ مقدمةً لتغييراتٍ جوهريةٍ داخلَ الهيئة، بينما ترى أطرافٌ أخرى أنَّ التعديلَ ضروريٌّ لتحديثِ الهيكلِ الإداريِّ وضمانِ استمراريةِ المؤسسةِ وفقَ معاييرَ واضحة.
القانونُ، الذي أُعيدَ طرحُه بتعديلاتٍ أرسلتها الحكومةُ عام 2024، لا يقتصرُ على ملفِّ التقاعدِ فقط، بل يُلامسُ جوانبَ حساسةً أخرى، منها تحديدُ الحدودِ الدنيا والعليا لرواتبِ المنتسبين، وهي قضيةٌ تلامسُ بُعداً ماليا لا يمكنُ عزلهُ عن الإطارِ السياسيِّ الأوسع، حيثُ يُرادُ لهذا الملفِّ أن يكونَ منسجما معَ رؤيةِ الحكومةِ لإعادةِ ترتيبِ الأولوياتِ الماليةِ والأمنيةِ في المرحلةِ المقبلة.
أما وقد تجاوزَ القانونُ القراءةَ الأولى، فإنَّ الأسئلةَ الأكبرَ لا تزالُ مفتوحةً: هل سَيمرُّ بسلاسةٍ في المراحلِ المقبلة، أم أنَّ الحساباتِ السياسيةَ ستُعرقلُه مجدداً؟ هل سيتمُّ التوافقُ على التعديلاتِ المطروحة، أم أنَّ كلَّ كتلةٍ ستُحاولُ توظيفَها لخدمةِ مصالحِها؟ والأهمُّ: هل سيكونُ القانونُ خطوةً لتعزيزِ قوةِ الحشد، أم مقدمةً لمرحلةٍ جديدةٍ من إعادةِ ترتيبِ المشهدِ العسكريِّ في العراق؟
في السياسةِ العراقيةِ، عبورُ القراءةِ الأولى ليسَ دائماً مؤشرا على عبورِ القانون، بل قد يكونُ مجرّدَ محطةٍ في طريقٍ طويلٍ محفوفٍ بالمساوماتِ والتوازناتِ الدقيقة!