كتب: المحرر السياسي
في المشهد السياسي، حيث تتحكم التوازنات والولاءات المتقلبة، ليس مستغربا أن نجد سياسيين يغيرون مواقفهم وفقا للظروف والمتطلبات الآنية. لكن عندما يصبح التناقض صارخا إلى حد فقدان الاتساق والمنطق، يصبح السؤال: بأي موقف نصدق؟
في السابع من آذار 2025، خرج خميس الخنجر بتصريح شديد اللهجة ضد النظام السوري السابق، محمّلًا إياه مسؤولية الدمار والعنف في سوريا، ومؤكدا أن “الشعب السوري وحده هو من يحدد مستقبله دون تدخلات خارجية”. بدت رسالته وكأنها تصطف مع الرواية الغربية في تحميل طرف واحد مسؤولية المشهد الدموي في سوريا.
لكن في الثامن من آذار، لم تمضِ 24 ساعة حتى انقلب الخطاب رأسا على عقب! فجأة، يتحدث الخنجر عن إدانة كافة أشكال العنف ضد المدنيين، محذرا من مخططات تستهدف استقرار المنطقة، داعيا إلى “حلول سياسية عادلة”. أين ذهب الهجوم على النظام السوري؟ وكيف تحوّل بين ليلة وضحاها إلى خطاب “متزن” يدعو إلى التهدئة؟
هذه التناقضات ليست مجرد زلات لسان، بل هي انعكاس لمنطق سياسي قائم على اللعب على الحبال، وفقا لمتطلبات اللحظة. يبدو أن الخنجر يحاول مسك العصا من المنتصف بين القوى الإقليمية والدولية، تارة يغازل الغرب بتصريحات تتماشى مع خطابه السياسي، وتارة يحاول طمأنة شركائه الإقليميين بعدم الانجرار إلى استقطابات حادة.
لكن المشكلة ليست فقط في تناقض المواقف، بل في فقدان المصداقية. فإذا كان السياسي يغير خطابه بين يوم وآخر ح للضغوط أو المصالح، فكيف يمكن الوثوق ببرامجه ومشاريعه المستقبلية؟ وكيف يمكن لجمهوره أن يصدق مواقفه في القضايا الوطنية إذا كان مستعدا لتبديلها بهذه السرعة؟
المواقف السياسية الحقيقية تبنى على رؤية واستراتيجية واضحة، لا على ردود فعل لحظية أو تكتيكات استرضائية. أما اللعب على التناقضات، فقد يحقق مكاسب آنية، لكنه في النهاية يفقد صاحبه أي رصيد سياسي حقيقي. والأيام القادمة كفيلة بأن تكشف المزيد من التقلبات في خطاب الخنجر، لكنها ايضا ستطرح السؤال الأهم: هل ما زال العراقيون يثقون بهذه الطبقة السياسية المتلونة؟