كتب: المحرر السياسي
على خطى التجربة اللبنانية، تتحرك الفصائل المسلحة في العراق نحو تشكيل “كتلة المقاومة”، في محاولة لتكريس نفوذها السياسي بعد سنوات من الحضور العسكري والاقتصادي المتنامي. غير أن هذا المشروع، الذي يستلهم نموذج “حزب الله”، يواجه تحديات داخلية وخارجية، أبرزها ما قد تحمله عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وما قد يفرضه من ضغوط على العراق وحلفائه في المنطقة.
لم يكن دخول الفصائل إلى المشهد السياسي العراقي مفاجئا، فقد استثمرت هذه الجماعات رصيدها في مواجهة “داعـ،،ش” لتعزيز شرعيتها، مستفيدةً من قرار برلماني عام 2016 رسّخ وجودها كجزء من “الحشـ،،د الشـ،،عبي”. وبفضل هذا الإطار الرسمي، تحولت الفصائل إلى قوة لها تمويلها الحكومي واستثماراتها الاقتصادية، وصولا إلى امتلاكها أكثر من 150 مقعدا في الدورات الانتخابية الأخيرة.
اليوم، ومع اقتراب انتخابات 2025، يبدو أن الفصائل تبحث عن صيغة جديدة لمشروعها السياسي. تشير المعلومات المتداولة إلى أن الكتلة الجديدة قد تحمل اسم “المقاومة العراقية”، مستلهمة مناخ المواجهة الإقليمية بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. هذه التسمية لا تخرج عن سياق التوظيف السياسي لمفهوم “المقاومة”، تماما كما فعل “حزب الله” في لبنان.
القلق داخل أروقة الفصائل لا يتعلق فقط بالحسابات الانتخابية المحلية، بل ايضا بما قد يفرضه المشهد الدولي، خصوصا مع احتمالية عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية. فمنذ اغتيال أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني في 2020، بات واضحا أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وخاصة الجمهوريين، تنظر إلى الفصائل المسلحة في العراق باعتبارها “اذرعا إيرانية” يجب تحجيمها.
السيناريوهات المحتملة قد تتراوح بين فرض عقوبات قاسية على العراق، لتجفيف منابع تمويل الفصائل، أو حتى اللجوء إلى عمليات عسكرية لاستهداف قادتها. في المقابل، قد تدفع إيران الفصائل إلى التمسك بالسلاح وتفضيل خيار المواجهة على خيار التماهي مع المنظومة السياسية التقليدية.
في ظل هذه المتغيرات، يواجه مشروع “كتلة المقاومة” عدة أسئلة حاسمة:
1. هل ستتمكن الفصائل من الحفاظ على حجمها الانتخابي السابق؟ فبالرغم من التراجع النسبي في مقاعدها بسبب نظام الدوائر المتعددة، إلا أن ضعف السلطة المركزية قد يتيح لها فرصة تعزيز نفوذها.
2. هل ستقبل الفصائل بشروط داخلية أو خارجية لنزع سلاحها مقابل الحصول على اعتراف سياسي أوسع؟ وهو سيناريو مشابه لما طُرح سابقا في لبنان مع “حزب الله” لكنه لم يُنفذ عمليا.
3. كيف سيؤثر الإطار التنسيقي على قرارات الفصائل؟ فبعض هذه الجماعات قد تفضل البقاء ضمن تحالفات أوسع بدلا من خوض تجربة مستقلة محفوفة بالمخاطر.
التجربة الانتخابية للفصائل المسلحة ليست جديدة، لكن المتغيرات الإقليمية تجعل هذه الجولة أكثر تعقيدا. فبين تهديدات ترامب واحتمالية فرض عقوبات أمريكية، وبين محاولة ترسيخ نموذج شبيه بـ”حزب الله”، تبقى خيارات الفصائل محدودة بين الاحتفاظ بالسلاح أو الاندماج الكامل في العملية السياسية.
قد يكون الهدف من تشكيل “كتلة المقاومة” هو بعث رسالة بأن هذه الجماعات قادرة على خوض الانتخابات بكيان موحد، لكن التجربة أثبتت أن السياسة في العراق لا تُحسم بالأسماء فقط، بل بالقدرة على المناورة في ساحة مليئة بالتجاذبات، داخليا واقليميا.