كتب: ليث الربيعي
في مشهد سياسي عراقي لا يزال يبحث عن استقراره، تتحرك القوى السياسية بين قوارب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، في انتظار بوصلة التيار الصدري التي قد تعيد رسم معالم اللعبة الانتخابية. وحتى اللحظة، لم تتبلور خارطة التحالفات الانتخابية بشكل واضح، حيث تدور اللقاءات في إطار “جس النبض” أكثر منها في سياق بناء تحالفات استراتيجية متينة.
بين السوداني والمالكي.. تنافسٌ محتدم
يتصدر السوداني والمـالكي مشهد التحالفات الانتخابية، لكن كلًّا منهما يتّبع تكتيكا مختلفًا لجذب الحلفاء. فالسوداني، الذي مُنع من المشاركة في الانتخابات المحلية الأخيرة، بات يشكّل ورقةً رابحة للقوى الباحثة عن موطئ قدم قوي في البرلمان المقبل. وتشير دراسة أعدّها “الإطار التنسيقي” إلى أن شعبية السوداني قد تؤهله للحصول على ما بين 40 إلى 55 مقعدا، ما يجعله محطّ أنظار قوى سياسية عدّة، منها تيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم، وائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي، بالإضافة إلى المستقلين والقوى الناشئة.
أما المالكي، فرغم سجله السياسي الحافل بالمواجهات، فإنه لا يزال يسعى لتوسيع دائرته عبر تقديم دعوات متكررة للتقارب مع التيار الصدري، رغم الرفض المتكرر من مقتدى الصدر. المالكي يدرك أن الصدر يمثل ثقلا سياسيا لا يمكن تجاوزه، ويسعى لتأمين تحالفات جديدة تمكّنه من تقليص نفوذ السوداني، خاصة بعد أن عطل تشكيل حكومة الأغلبية التي أرادها الصدر عام 2022.
الصدر.. اللاعب الغائب الحاضر
على الرغم من مرور أكثر من عامين على إعلان مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي، إلا أن تأثيره على المشهد العراقي لا يزال قويًا. إذ تترقب القوى السياسية قراره النهائي بشأن المشاركة في الانتخابات المقبلة، وسط مؤشرات توحي بعودة محتملة، بدأت بطلب تحديث سجل الناخبين لأتباعه.
وفي حين يتحدث البعض عن إمكانية تشكيل “تحالف الأقوياء”، الذي قد يضم الصدر والمالكي وبارزاني، إلا أن هذا السيناريو يبدو مستبعدًا، نظرا للخلافات العميقة بين الصدر والمالكي. ومع ذلك، فإن عودة التيار الصدري، إن حدثت، ستعيد تشكيل التوازنات، وستفرض على الجميع إعادة حساباتهم، خصوصا في ظل نظام انتخابي جديد قد يجمع بين “سانت ليغو” والدوائر المتعددة، وهو ما قد يصبّ في مصلحة التيار الصدري.
التحالفات الطولية.. مخرج لضمان التوازن
وفق رؤية تيار الحكمة، فإن الانتخابات المقبلة ستشهد تحالفات “طولية” لا “عرضية”، بمعنى أن التحالفات لن تبقى محصورة داخل المكونات الطائفية والعرقية، بل ستمتد لتضم الشيعة والسنة والأكراد معًا، في محاولة لتجنب تفرد أي مكون بالقرار السياسي. هذه المقاربة تبدو مقبولة لدى العديد من القوى، خصوصا تلك التي تبحث عن استقرار طويل الأمد في المشهد العراقي، بعيدًا عن سياسات الإقصاء والانفراد بالحكم.
ما الذي ينتظر العراق؟
في ظل هذه المعادلة المتغيرة، تبدو الانتخابات القادمة نقطة تحول جديدة في السياسة العراقية، حيث تتأرجح التوقعات بين استمرار التنافس التقليدي بين المالكي والسوداني، أو دخول الصدر كلاعب حاسم يعيد خلط الأوراق. وبينما تنتظر القوى السياسية وضوح الصورة، تبقى حسابات المصالح والضغوط الإقليمية والدولية عوامل لا يمكن تجاهلها في رسم معالم المشهد الانتخابي المقبل.
ويبقى السؤال الأبرز: هل ستشهد الانتخابات القادمة تحالفات تعزز الاستقرار السياسي في العراق، أم أن الانقسامات ستستمر، ما يُدخل البلاد في مرحلة جديدة من الصراع والتجاذب؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.