كتب: المحرر السياسي
المشهد في البيت الأبيض يكشف بوضوح الوجه الحقيقي للسياسة الأميركية، حيث لا مكان للوفاء بالحلفاء، بل صفقات ومصالح متغيرة، تُلقي بمن يراهن على واشنطن في مهب الريح بمجرد تبدّل الأولويات. وما حدث للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لم يكن إلا دليلا جديدا على أن من يراهن على الدعم الامريكي سرعان ما يجد نفسه في العراء، بلا غطاء ولا كرامة.
مشهد الإهانة في المكتب البيضاوي كان صادما، حيث تلقى زيلينسكي صفعة سياسية قاسية أمام عدسات الكاميرات، تلاها توبيخ علني من دونالد ترامب ونائبه، قبل أن يُطرد من البيت الأبيض كأنما لم يكن رئيسا لدولة قدمت كل شيء في سبيل أجندة واشنطن. لم يشفع له وقوفه في خط المواجهة الأول مع موسكو، ولم يشفع له أن بلاده أصبحت رهينة للقرار الأميركي، فحين قررت واشنطن تبديل أوراق اللعب، كان عليه أن يدفع الثمن غاليا.
لكن السؤال الأهم: كم زيلينسكي سنشاهد بعد اليوم؟ ومتى سيحين دور بقية الحلفاء الذين قد يظنون اليوم أنهم بمنأى عن المصير نفسه؟ التجربة الأردنية كانت بداية، ولكن الواقع بعد زيلينسكي يُنذر بمزيد من الإهانات لكل من لا يدفع ثمن الولاء بالمال والمواقف وحتى ماء الوجه، فقط لإشباع جشع واشنطن المتزايد.
أما العراق، فهو مثال آخر على سياسة التخلي الأميركية، فبعد عقود من الاحتلال والتدخلات، تركت واشنطن البلاد في فوضى، وألقت به في أتون الأزمات، فيما تتعامل مع حكومته بازدواجية المصالح، فتطالبه بالطاعة دون أي التزامات حقيقية. لكن العراق، رغم كل التحديات، يسير نحو تثبيت استقلاله، محاطا بجيل جديد من المقاومين الذين أدركوا أن مستقبلهم لا يُبنى على الوعود الأميركية الفارغة.
وفي فلسطين، فلا رهانات على أميركا، بل مقاومة ثابتة رغم تهديدات الاحتلال الصهيوني ورعاته في واشنطن. ومع اقتراب المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، يبقى الفلسطينيون أوفياء لقضيتهم، مستعدين لكل الاحتمالات، في مواجهة عدو يجيد التنصل من تعهداته.
أما في اليمن، حيث الحرب التي أرادتها واشنطن ساحة استنزاف، فقد أثبتت صنعاء أن قرارها مستقل، وأن من راهن على تركيع هذا الشعب قد فشل. فما زالت الطائرات المسيّرة والصواريخ تثبت أن زمن الهيمنة الأميركية قد ولى، وأن اليمن حاضر في معادلة الردع بقوة.
وفي لبنان، حيث الصمود فوق الركام، لا مكان للخضوع أو التنازل، بل إصرار على البناء وسط الدمار، وعهد لا يُنقض مع الأرض والشهداء. وكما واجه اللبنانيون الصهاينة في الميدان، يواجهون اليوم الضغوط السياسية بنفس الصلابة، مرددين ما قالوه بالأمس لرئيس الحكومة، وما يسمعه العالم كل يوم: نحن هنا، ولن نركع.