كتب: المحرر السياسي
ليست مجرد مكالمة بروتوكولية عابرة، بل رسالة أميركية واضحة، تلقاها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بمكالمة مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بينما تراقب واشنطن بغداد عن كثب، وتُلوّح بالعصا أكثر مما تلوح بالجزرة.
بين البيانات الرسمية الصادرة من الطرفين، يكمن التباين في الأولويات؛ ففي حين ركّزت واشنطن على ضرورة “تحقيق استقلال العراق في مجال الطاقة”، و”مكافحة النفوذ الإيراني”، و”استئناف خط أنابيب العراق-تركيا”، تجنّب البيان العراقي الإشارة المباشرة لهذه العناوين الحساسة، واكتفى بذكر “التنسيق الثنائي” و”تعميق التعاون المشترك”.
لكن القراءة العميقة لما دار في الاتصال تكشف أن واشنطن لم تترك مساحة كبيرة للمناورة. فالمطالب الأميركية باتت أكثر صراحة ووضوحاً:
• تصفير النفوذ الإيراني في الملفين الاقتصادي والأمني، بما يشمل إنهاء الاعتماد على الغاز الإيراني، ومنع تهريب الدولار عبر السوق العراقية.
• ضبط سلاح الفصائل، مع رفض أي جدول زمني طويل لتنفيذ ذلك.
• إحياء المشاريع الأميركية المتعثرة، وضمان التزام بغداد بعقود الشركات الأميركية، مع تسهيل دخول استثمارات جديدة.
• استئناف خط الأنابيب العراقي-التركي، في خطوةٍ ستغيّر مسار تصدير النفط العراقي.
ليس سرًا أن إدارة ترامب الجديدة ليست كإدارة بايدن السابقة، فالرئيس الأميركي الحالي لا يؤمن بالمماطلة ولا بالمجاملات، بل بالقرارات الفورية. ولذا، كانت المكالمة بمثابة “إشعار أخير” للسوداني، إما الالتزام أو مواجهة العقوبات، ليس فقط على إيران بل على العراق نفسه.
في المقابل، تدرك بغداد أن تلبية هذه المطالب دون حسابات دقيقة قد يفجّر أزمة داخلية، سواء مع حلفاء الداخل، أو مع القوى الإقليمية التي تترقب مخرجات هذه التفاهمات بحذر. ومن هنا، يُطرح السؤال الأهم: كيف سيتعامل السوداني مع هذه الإشارات الأميركية التي تقترب من مستوى “الإملاءات”؟
المكالمة لم تمر دون ضجيج، إذ يستعد الإطار التنسيقي لعقد اجتماعٍ طارئ خلال اليومين المقبلين لمناقشة تداعيات ما وصفه البعض بـ”رسائل التحذير والتهديد الأميركية”، خصوصًا أن بعض الملفات المطروحة تمس عمق التوازنات السياسية والعسكرية في العراق.
يبدو أن رئيس الوزراء أمام لحظة اختبار حاسمة؛ فإما أن يقدّم خطوات تُرضي واشنطن ولو جزئيًا، أو يدخل في صدامٍ سياسي يرفع منسوب التوتر مع الإدارة الأميركية. وبين هذا وذاك، تبقى مصلحة العراق على المحك، وسط تجاذبات دولية وإقليمية لا تعرف الحياد.