في حضرةِ الكاظمِ (عليه السلام)… تُرفعُ الراياتُ وتُسقى الأرواحُ بالعزاء
كتب : المحرر السياسي
حينما تمرُّ ذكرى استشهادِ الإمامِ موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، تتوشحُ القلوبُ بالسواد، وتنتصبُ الراياتُ خفاقةً، شاهدةً على سيرةِ إمامٍ ما انحنى للظلمِ يوماً، وما فارقَ عزيمتَه حتى وهو في قيودِ السجونِ ومظالمِ الطغاة.
يُحيي الملايينُ هذه الذكرى، سائرينَ إلى بغداد، إلى أرضِ الكاظمية، حيثُ يرقدُ بابُ الحوائج، إمامُ الصبرِ والكرامة. تُزهرُ المسافاتُ تحت أقدامِ الزائرين، وتتعالى أصواتُهم بالدعاءِ والولاء، وكأنهم يكتبونَ من جديدِ عهدَ الوفاءِ لإمامٍ ذاقَ السجنَ والقيودَ ظلماً، لكنه بقي شامخاً كالجبلِ الراسخ، يُعلمنا أنَّ الكرامةَ لا تُشترى، وأنَّ الصبرَ سلاحُ الأحرار.
في زنزانةٍ ضيقةٍ مظلمة، بينَ جدرانٍ تشهدُ على صبرهِ، وقفَ الإمامُ الكاظمُ كالشمسِ لا تُطفأ، يُرسلُ من خلفِ القضبانِ نوراً يهتدي به أتباعُه، ويدفعُ عنهم ظلماتِ الجهلِ والانحراف. وقفَ في وجهِ الطغاةِ بصموده، وأثبتَ أنَّ السلاسلَ لا تُقيّدُ الروح، وأنَّ السجنَ لا يكتمُ صوتَ الحقِّ الذي صدحَ به حتى اللحظةِ الأخيرة.
اليومَ، تتجددُ الذكرى، وكأنَّ الزمانَ يعيدُ نفسه، يُذكّرنا أنَّ مظلوميةَ الإمامِ ليست ذكرى عابرةً، بل درسٌ خالدٌ في الثباتِ أمامَ الطغيان، وفي رفضِ الانكسارِ مهما اشتدت المحن. وما المواكبُ التي تطوفُ الكاظميةَ اليوم إلا تجسيدٌ حيٌّ لهذا الإرث، يُرددونَ باسمه أهازيجَ الحزنِ والولاء، ويُقسمونَ أنَّ صوتَ الكاظمِ سيبقى خالداً في ضميرِ الأمة.
من بغدادَ التي شهدت على سيرةِ الإمامِ وصبرهِ، ومن أرضٍ ارتوت بدماءِ الشهداءِ ودموعِ المحبين، ينطلقُ العزاءُ اليومَ، ليُخبرَ العالمَ أنَّ الحقَّ لا يموتُ، وأنَّ من ضحّى بنفسه من أجلِ الأمةِ سيبقى نوراً لا يخبو مهما طالَ الزمنُ وتعددت المحن.
سلامٌ على موسى بن جعفر… يومَ وُلدَ صابراً، ويومَ استُشهدَ مظلوماً، ويومَ يَبعثُ حياً شاهداً على الطغاة.