(على المحك): ح 2
حزب البيت الوطني: الحراك السياسي الناشئ أم رحلة البحث عن الذات؟
كتب: المحرر السياسي- بغداد الاخبارية
ضمن ملف “وكالة بغداد الإخبارية” للأحزاب الناشئة، نتتبع خُطا الأحزاب التي شقّت طريقها وسط التحولات الكبرى التي ضربت البلاد. واليوم، نسلط الضوء على حزب البيت الوطني، ذلك الحلم الشبابي الذي وُلد من رحم ميادين تشرين 2019، حيث خرج جيلٌ جديدٌ من العراقيين حاملًا شعارات الحرية والعدالة وباحثًا عن دولةٍ مدنيةٍ تتجاوز الطائفية والمحاصصة. في ساحات التحرير، حيث كانت الأعلام ترفرف والهتافات تزلزل الأرض تحت أقدام الظلم، ظهر البيت الوطني كامتدادٍ للحراك الشعبي، محاولًا تحويل تلك الشعارات الثورية إلى مشروعٍ سياسي ملموس. وبإعلان تأسيسه رسميًا في 4 سبتمبر 2021، وضع نصب عينيه مواجهة المحاصصة الطائفية وبناء دولة مدنية قوامها العدالة الاجتماعية والشفافية.
كان البيت الوطني يحمل في طيّاته رؤيةً لطالما حلم بها كثيرون؛ دولة يتساوى فيها المواطنون دون اعتبار للانتماءات الطائفية أو العرقية، ونظام سياسي يقوم على المساءلة ويمنح الحرية للفرد ويحمي الكرامة الإنسانية. لكنّ بين الطموح والواقع خندقًا عميقًا، فتلك الأحلام الكبيرة اصطدمت بواقعٍ سياسي تُهيمن عليه القوى التقليدية الراسخة، وبنظامٍ لا يقبل بسهولةٍ شراكة من يرفع راية التغيير.
لقد اكتسب الحزب منذ ولادته شرعيةً ثورية، فهو يحمل إرث تشرين وشعاراتها التي ألهمت الشباب وأعادت للناس الأمل بمستقبل أفضل. كما نجح في تقديم خطابٍ مناهض للطائفية، خطابٍ يحلم بعبور العراق إلى حقبةٍ مدنية جديدة، وخطابٍ وجد أصداءً له في الأوساط الإعلامية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، مما جعل الحزب جزءًا من النقاش العام، رغم حداثة عهده.
لكن، وكما هو حال كل البدايات، فإن الطريق لم يكن معبّدًا بالورود. فقد عصفت بالحزب رياح الخلافات الداخلية، خصوصًا في المحافظات الجنوبية مثل ذي قار، حيث شهد الحزب استقالاتٍ وانشقاقاتٍ أضعفت بنيته التنظيمية، واتهمت بعض قياداته بالتخلي عن مبادئه الأصلية. كما عانى الحزب من ضعفٍ إداري وتنظيمي، أدى إلى اهتزاز ثقة قاعدته الشعبية، فضلًا عن أداء انتخابي متواضع عجز عن ترجمة شعبيته الرمزية إلى نتائج ملموسة في صناديق الاقتراع. ومع مرور الوقت، بدأ الحزب يتآكل من الداخل، وانخرط في ممارسات سياسية تقليدية جعلت كثيرين يرونه قد انحرف عن شعاراته الثورية الأولى.
البيت الوطني اليوم يقف عند مفترق طرق. إذا أراد الاستمرار والبقاء، فعليه أن يعيد بناء جسور الثقة التي تصدعت مع قاعدته الشعبية، ويعيد النظر في سياساته الداخلية، ويعمل على تعزيز أدائه الانتخابي بتقديم برامج عملية تستجيب لحاجات المواطن اليومية. عليه أن يتخلى عن الشعارات الفضفاضة ويبلور خطابًا سياسيًا ناضجًا يتناسب مع تحديات الواقع. ولعلّ أبرز ما يحتاجه الحزب اليوم هو ترسيخ هويته التنظيمية وبناء هيكلٍ قوي يستطيع مواجهة الأزمات والانقسامات.
إن حزب البيت الوطني، بين الإرث الذي حمله من مظاهرات تشرين وبين واقع العمل السياسي، يبدو وكأنه في رحلةٍ مضنيةٍ للبحث عن ذاته. فهل يستطيع الحزب تجاوز هذه العثرات ليصبح لاعبًا سياسيًا فاعلًا؟ أم سيبقى أسير الشعارات التي أطلقها في لحظةٍ تاريخيةٍ فارقة؟ الأيام المقبلة فقط ستكشف الإجابة، لكنها بلا شك ستضع الحزب أمام اختبارٍ حاسم، حيث لا مجال للتراجع أو المراوغة. إنه بحق، على المحك.
#بغداد_الإخبارية
#الأحزاب_الناشئة
#السياسة_العراقية
#البيت_الوطني