على عينِ جبهةِ المقاومةِ في كلِّ ساحاتِها، وفي ضميرِ شعوبِها الحرةِ، ما زالت الثلمةُ التي أحدثَها رحيلُ قادةِ النصرِ شاخصةً بحجمِ التضحياتِ والانتصاراتِ التي صنعوها. ففي غيابِ الحاج قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس، لم تخبُ جذوةُ المقاومة، لكنَّ فقدانَ الحضورِ الميدانيِّ والقياديِّ لهذين الرجلين أثقلَ كاهلَ المعركةِ المستمرةِ ضد قوى التكفيرِ والإرهابِ، وتركَ أثراً بالغاً في المشهدِ المقاوم.
لقد كان سليماني الميدانيَّ الذي خططَ واستبقَ بحنكتهِ محاولاتِ الأعداءِ لضربِ عمقِ الجبهةِ المقاومة، فيما شكّلَ المهندسُ ركناً لا يهتزُّ في الميدانِ العراقيِّ، حيثُ ذابت الحدودُ بين الدماءِ التي سالت في بغدادَ، دمشقَ، بيروتَ، وصنعاء. تلك الدماءُ كانت عنواناً لوحدةِ المصيرِ وعمقِ الارتباطِ بين جبهاتِ المقاومةِ في كلِّ الساحات.
وفي لحظةِ غيابِ قادةِ النصر، بدا وكأنَّ العدوَّ وجدَ ثغرةً ليعيدَ ترتيبَ أوراقهِ، لكنَّ جبهةَ المقاومةِ لم تُعطِهِ الفرصةَ، حيثُ بقيَ النهجُ الذي رسمَه سليماني والمهندسُ هو البوصلة، واستمرَّت الانتصاراتُ في وجهِ التكفيريين الذين أرادوا للعراقِ وسوريا أن يُقسما، وللشعوبِ أن تركعَ أمامَ مخططاتِ الهيمنةِ والاستكبار.
اليومَ، ونحنُ نستذكرُ القادةَ الشهداء، نستذكرُ معهمُ الانتصارَ الكبيرَ على مشروعِ داعش، الذي كان أداةً لتفتيتِ الأمةِ وإشغالِها بالحروبِ الداخلية. لقد كان سليماني والمهندسُ أولَ الواقفينَ على خطوطِ النارِ، وأولَ الماضينَ في طريقِ الشهادةِ، فباتت سيرتُهم دروساً لكلِّ الأحرارِ في العالم.
لكنَّ الثلمةَ التي أحدثَها رحيلُهما لم تكن لتكتملَ لولا الإرادةُ التي ورثَها المقاومونَ عنهم، حيثُ واصلوا الطريقَ، وأكدوا أنَّ الدماءَ التي سالت لن تذهبَ هباءً، وأنَّ الرايةَ لن تسقطَ ما دام هناكَ من يحملُها.
وفي زمنِ التحدياتِ الكبرى، تزدادُ المسؤوليةُ على جبهةِ المقاومةِ لمواصلةِ الدربِ، والثباتِ على النهجِ الذي كان سليماني والمهندسُ رمزَيه. فالمعركةُ مع الأعداءِ ليست فقط معركةَ الميدان، بل هي معركةُ الوعي، معركةُ الثباتِ على المبدأ، ومعركةُ الدفاعِ عن الكرامةِ والسيادةِ في وجهِ كلِّ مشاريعِ الهيمنةِ والاستكبار.
هكذا، يستمرُّ نهجُ قادةِ النصر، رغمَ رحيلِهم، نبراساً يُضيءُ طريقَ التحرير، وإرثاً تتوارثُه الأجيالُ المقاومة، حتى تحققَ وعدَ الله بالنصرِ المؤزرِ على كلِّ أعداءِ الأمة.